أصدر ديوان المحاسبة تقريره السبعين لعام 2021، وهو المخرج النهائي الذي يقدمه رئيس ديوان المحاسبة إلى رئيسي مجلسي النواب والأعيان عن الجهات الخاضعة للرقابة والذي يتضمن نتائج عملياته وآراءه وملحوظاته وبيان المخالفات المرتكبة والمسؤولية المترتبة عليها عن سنة مالية واحدة وذلك في بدء كل دورة عادية.
كما يتضمن تحليل الحسابات الختامية لقانون الموازنة العامة للدولة، تحليل بيان المركز النقدي للخزينة، تحليل الحسابات الختامية للوحدات الحكومية، تحليل الدين العام، تحليل أداء الشركات الخاضعة للتدقيق، ويقدم رئيس الديوان نسخا من التقرير إلى دولة رئيس الوزراء ووزير المالية، وينشر التقرير السنوي على موقع الديوان الإلكتروني.
قرأت بعناية واهتمام التقرير والذي يقع في (615) صفحة، تتضمن تفاصيل عديدة ودقيقة وموثقة وفق ما تتطلبه مهام ديوان المحاسبة الدستورية ومن خلال الصلاحيات الممنوحة لديوان المحاسبة، وينبغي قراءة التقرير للمهتم بشكل كامل وليس مجزأ كما تنشر بعض المواقع والصحف أقساما من التقرير وبشكل غير مناسب.
تقرير ديوان المحاسبة (70)، شامل ويغطي بمحتوياته الكثير من العمل والجهد والمتابعة والمشاركة وبحيادية مع الجهات المعنية بالتدقيق بحرفية عالية وليس المحاسبة؛ يقدم التقرير تفاصيل المخالفات وعلى الرقابية دراسة تلك المخالفات ومساءلة الجهات المعنية بارتكاب المخالفة وعليها من ثم معالجة وتصحيح المخالفة وبشكل رسمي وموثق، ولها بالطبع حق الرد والتوضيح.
لا بد من فهم ثقافة التدقيق والتي تشمل جميع القطاعات العامة والخاصة؛ التدقيق علم قائم بذاته وله اختصاصات مهنية دقيقة، تقدم تقاريرها المفصلة ويأتي الدور على الجهات المكلفة بأمانة المسؤولية وفي مواقعها الوظيفية وضمن القانون.
عودة للتقرير الهام ضمن مسيرة الإصلاح والتحديث والتي تبدأ من التدقيق (Auditing) وليس المحاسبة، وأعتقد وربما يوافقني البعض بضرورة تعديل مسمى الديوان إلى التدقيق، وليس المحاسبة.
نبدأ من قراءة العديد من الإشارات التي تضمنها التقرير ومنها: مؤشر الفساد والذي أصبح مؤشرا عالميا يمكن القياس من خلاله والتدبر في ترتيب الأردن ضمن هذا المؤشر للدلالة على حجم الفساد الإداري وفي جميع القطاعات العامة منها والخاصة والانطلاق إلى الإصلاح الإداري المنشود من خلال وضع الخبرة المناسبة في المكان المناسب؛ المخالفات والقضايا التي أشار إليها التقرير هي مخالفات إدارية قبل أن تكون مالية.
يشير التقرير بوضوح إلى ضرورة تفعيل الرقابة الداخلية ورفدها بكفاءات مدربة ومؤهلة على القيام بالعمل الرقابي والذي أصبح مفتاح النجاح في المؤسسات العامة والخاصة من خلال البحث عن الثغرات ومعالجتها قبل حدوثها ولهذا لا بد من وجود رقابة استباقية قبل حدوث المخالفة والاختراق والفساد.
الملاحظ ودون جهد ضعف التقارير الرقابية الداخلية وحتى الخارجية وتقع العديد من مجالس الإدارة والمؤسسات الخدمية منها على وجه الخصوص في مخالفات متراكمة، يعرف الجميع بها ولكنها لا تعالج بشكل جذري وتتكرر كل عام وبشكل ملحوظ.
من وسائل العلاج المهمة التحول نحو أتمتة العمل والمراحل الإجرائية في العطاءات والعقود والقضايا المرتبطة بالعلاقات والمنفعة الشخصية ومنع وسائل الاستفادة من المميزات والصلاحيات الممنوحة للموظف العام والخاص على حد سواء.
بالطبع سوف تتحول مخرجات تقرير ديوان المحاسبة إلى جهات رقابية وتشريعية وفي بعض منها إلى هيئة مكافحة الفساد وضمن الحدود القانونية والدستورية، ولهذا لا بد من الاطمئنان لكيفية استرداد المال العام ومعاقبة ومحاكمة الفساد والفاسدين ضمن القنوات الرسمية والأصول الجزائية والأهم السير قدما في مسيرة التحديث والإصلاح الإداري ورفض الواسطة والمحسوبية وسائر أدوات الفساد والتي هي وراء قضايا المخالفات والانتهاكات على المال العام.
ثقافة الرقابة ينبغي غرسها في نفوس العاملين والموظفين وتدريبهم على ملاحقة الخلل واكتشافه قبل وقوعه، فما التفسير لمثل تلك المخالفات وهي التي وقعت في مؤسسات ذات باع طويل في الدولة؟
جهد فريق ديوان المحاسبة كبير ويحتاج إلى مساندة ودعم من الرقابة الداخلية في كل مؤسسة وجهة وطرف مشارك في العمل، حتى نستطيع بالفعل التقدم نحو الأمام.
[email protected]